ابحث في المدونة

الخميس، 21 أغسطس 2014

مُحاق.

تقدمت بخفة، خطوة واحدة، قدمي اليمين ثم اليسار تمامًا كما تعلمنا منذ الطفولة. وقع خطوتيّ مسموعًا بالنسبة لي، شعرت بذرات التراب تُسحق تحت قدميّ العاريتين على الرخام البارد، رعشة سرت في اوصالي جرّاء نسمات باردة لفحتني.
بدأت الشمس بالغياب، والظلام يُغرق الدُنيا من حولي. ابتسمت بتردد خائف فقد حانت اللحظة، نزلتُ بنظري إلى قدمَي، لم يحدث شيء! اتجهتُ بنظري إلى يديّ، تلمستُ وجهي! ربما ليس بعد، رددتها في سري و انا اتقلب بنظري حولي: ليس بعد.
رفعتُ بصري إلى السماء، اختفت الشمس تمامًا، غرقت في بطن الأرض. تشبّعت السماء بالزُرقة وقد اختفى اللون الأرجواني منها، ازداد الجو برودة فضممتُ نفسي بيدي، التفتُ لحركة عن يميني و قد خُطف لوني. تنفست الصُعداء، ليست إلا ورقة برتقالية اللون سقطت من الغصن لتحتضن الارض معلنة تقاعدها، بجانب عديداتٍ اخواتٍ لها مختلفة ألوانهن. اطرقتُ برأسي زافرةً براحة، مازال لوني مخطوفًا، لا، بل قدميّ شحُبتا، بل جسمي كلُّه ! ابتسمتُ بخوف، حان الوقت. رفعت بصري أخيرًا للسماء، كانت صافية لا يشوبها شيء و النجوم تلمع كأنها درر و جواهر منثورة في صحن السماء، لكن القمر مختفٍ، فقد شعاعهُ و نورَه الذي يتغنى بهِ بنو آدم منذُ الأزل.
لا يهم لا يهم. هتفت و أنا في نشوة مما يحدث، مميزة جدًا عن الآخرين، لم أكن أعي ما أقول من الرعب و الابتهاج، لم أكن أعلم أنّهُ الأهم! اندفع الادرينالين بشدة في عروقي و تسارعت نبضاتي، احساسي كان خليطًا لا يوصف من مشاعر مختلفة، فالخوف مما يحدث يغزو قلبي ببطء، و الحماسة تغزو اوصالي. بدأت اجري في الفناء و العب كالطفل، آخٍ لو رأتني أمي، لوبختني بشدة على تصرفاتي. ضحكت في سري بخبث، وكيف لها أن تراني! قفزت مرارًا و نثرت الرمل تكرارًا بل و نثرت الاوراق المتساقطة من الشجرة العجوز في زاوية المنزل، لم أكن خائفة أن تلدغني عقرب مختبأة هناك أو أن يهاجمني وزغ كما ظننتُ دائمًا، بل على العكس تناسيتُ كل شيء و استمتعت باللحظة. فجأة و أنا في غُمرة اللعب، فُتح الباب أمامي، سمعتُ والدي يضحك و معه اصوات رجولية أُخرى، دخلوا بسرعة بينما وقف والدي ممسكًا بالباب لضيوفه و مرحّبًا بهم. وقفتُ مشدوهة داعية أن لا يراني أحد. كانوا على بعد مترٍ واحدٍ عنّي سوف يرونني بالتأكيد، كم كانوا؟ اربعة؟ ام خمسة؟ لست أدري فقدتُ القدرة على العدّ! أثناء تفكيري، التفتَ أحدهم إلى حيث أقف، شُلّ عقلي، تيبّست اطرافي، تجمدت عيناي وبدأ المدُّ يرتفع في بحر عينيَّ المفتوحتين باتساعٍ. الرجل الطويل كثُّ اللحية، ثم التفت إلى والدي الذي لم أرَ منهُ سوى ظهره. أشار الرجل بيده إليّ محادثًا والدي، أنملة سبابته قريبة جدًا مني بالتحديد أمام عيني اليُسرى، بضعة سانتيمترات و سيفقأ عيني، بل ربما لو أغلقتُ عيني سيشعر بمرور رمشي على أنملته. حبستُ أنفاسي و أبقيتُ عينيّ مفتوحتين بينما كان قلبي يصرخ ونبضاته كادت تصيبني بالصمم، مرت اجزاء من الثانية بدت كالدهر حين التفت والدي. نظر إلي، اخترقت نظراتهُ رأسي، قطب جبينه و قطبت جبيني. ماحدث تاليًا كان مفاجأً، ضحك أبي و التفت لصاحبه محاورًا إياه، لم يرياني؟! تجاهلاني ؟! تراجعت خطوتين بهدوء والحيرة تعصف بي و التفت حيث كان يشير الرجل. سيارة والدي الـGMC؟! مهلًا ! لم أفهم!! نزلت دموعي رغمًا عني حين بدأت ارمش بسرعة وابتلع ريقي. كان الرجل يساومه ليشتريها من والدي، ضحكا مستديران ناحية المنزل و اختتم ابي حديثه قائلًا: " تفضل تفضل بس يابو محمد، شكل البرد مأثرن عليك، كلّوه ولا هالغالية."
بدا كلّ شيء ساكنًا إلّا من نبضاتي، كيف ذلك؟ لم أفهم ؟ شعرتُ بأن عقلي بطيء جدًا، كأنه كان يعمل بسرعة ٥ كيلوبايت\ثانية.
جلستُ على الرمل البارد و لم أكترث لبروده ولا للصقيع الذي احاطني، نزلت بنظري إلى كفي الأيمن الذي يحتضن التراب، بدا شاحبًا! فجأة عادت تيارات الافكار إلى رأسي بسرعة شديدة أصابتني بصداع أرغمني أن أغلق عيني بشدة. ابتسمت باتساع حين أدركت ماحدث، لا أحد يراني!! لا احد اطلاقًا.
يومان و سيعود كل شيء كما كان، ضحكت بخفوت ثم وقفت انفض الرمل عني حين سمعت أمي تناديني، دخلت اضحك ورفعت صوتي حتى كادت احبالي الصوتية تتقطّع، لكن في حالتي هذه صوتي بالكاد يُسمع. ذهبت للإستحمام حتى أعود أُرى، والابتسامة بدأت بالاختفاء، وحلّ الخوف محلّها.
• فريدة الشمري.
-قصة لم تكتمل بعد، وخلف هذه القصة قصة اخرى-